تعليمنا الواقع والمأمول لحسين سويلم



 
 
إذا نظرنا إلى حال تعليمنا اليوم نجده لا يتناسب مع التطور الهائل في وسائل التعليم المتاحة والإمكانات الهائلة التي توفرها الدولة للمتعلم والمعلم على السواء، فإذا نظرنا إلى المدارس وجدناها على قسمين : (حكومية وأهلية) ، حكومية فيها قليل من الإمكانات وزيادة في عدد الطلاب ، وأهلية فيها كثير من الإمكانات ووسائل التعلم وربما تعليم إلكتروني ، إضافة إلى وسائل الترفيه والرحلات والزيارات ورغم ذلك فالتحسن في مستوى التعليم والتحصيل ليس ملحوظا كما ينبغي. إذاً هناك بعض القصور في التعليم لدينا نلخصه في الأسباب الآتية:
1) ضعف الدافعية لدى الطلاب، وعدم إدراكهم أهمية التعليم والهدف منه.
2) الثقافة البيئية والمجتمعية التي تقف عائقا في بعض الأحيان أمام المتعلم وإهمال كثير من الأسر تعليم الأبناء وتركيزهم على الطعام والشراب والملبس وبعض الرفاهيات.
3) قصور التخطيط وعدم الربط بين التعليم وسوق العمل مع وجود فجوة بين المعلم والمتعلم والمنهج الدراسي وعدم وضع الإستراتيجية المناسبة للتعليم قبل دخول التلميذ المدرسة (في دور الحضانة ورياض الأطفال)
4) تطوير التعليم من قبل أكاديميين دون مشاركة المعلمين والطلاب وأولياء الأمور في ذلك أو الاسترشاد بآرائهم وعدم الاستفادة الحقيقية من تجارب المسلمين الأوائل الذين أناروا الدنيا علما وفقها، وكذلك الأمم المتقدمة التي بلغ علمها وتقدمها الآفاق.
5) التركيز على الحفظ والاستظهار وإهمال الابتكار والاختراع وعدم تبني المواهب الشابة بما فيه الكفاية وتغيير وسائل القياس وجعلها قاصرة على التقويم المستمر في بعض المراحل.
6) إهمال الإعلام المعلم والمتعلم معا والتركيز على الرياضيين والفنانين (الذين ربما لم ينالوا إلا قسطا يسيرا من التعليم ورغم ذلك يملؤون الدنيا شهرةً وثراءً).
7) عدم اكتراث طلاب الثانوية بالتعليم المدرسي والاختبارات؛ فهي لا تمثل لهم إلا نسبة 30 في المائة فقط للالتحاق بالجامعات مع تقييد أيدي المعلمين بقوانين تجرم عقاب الطلاب قولا وفعلا (من أمِنَ العقاب أساء الأدب) .
8) انتشار الجامعات الأهلية (الخاصة) فمن لم يتمكن من الوصول إلى الجامعات الحكومية يلتحق بالجامعات الأهلية (بالفلوس).
مما سبق يتضح أن التعليم في بلادنا يحتاج إلى وقفة جادة وتكاتف من جميع أبناء المجتمع؛ من الكبير والصغير والعالم والمتعلم والمعلم ومن جميع أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية، فلا وجود لأمة على ظهر البسيطة ولا ذكر لاسمها مقرونا بالمجد من دون تعليم ونهضة تعليمية شاملة، ولننظر إلى أمتنا الإسلامية المجيدة التي أخذ علماؤها العلم عن غيرهم من علماء الأمم التي سبقتهم وأضافوا إليهم وطوروا وأبدعوا وابتكروا حتى بلغت مؤلفاتهم الآفاق وامتلأت مكتباتهم بالكتب والمجلدات والمخطوطات والأبحاث والتجارب التي غيرت مجرى العلم وجعلت العالم أجمع ينظر إلى شمس علم الشرق العربي المسلم التي أضاءت العالم المظلم بالجهل والتخلف.
هؤلاء العلماء المسلمون لم يكن لديهم ما لدينا الآن من أدوات وأجهزة متطورة ووسائل حديثة في الاتصال أو في النقل، فكان العالم يسافر أياما وشهورا من أجل طلب العلم، وكانت أدوات التأليف والكتابة بسيطة جدا كـ (الريشة والمداد) ورغم ذلك أثروا العالم بكتاباتهم ومؤلفاتهم وإبداعاتهم، وكتبوا في ظروف صعبة للغاية، فمنهم من ألف كتابا وهو في السجن، ومنهم من ألف في ضوء القمر، ومع صعوبة الظروف وقلة الإمكانات وندرة الأموال إلا أن الله بارك لهم في أوقاتهم وأعمارهم فأفادوا منها أعظم إفادة، ونشروا العلم في جنبات العالم وكانوا للدنيا نجوما تضاء السماء بعلمهم!
فهل استفدنا من أجدادنا العرب والمسلمين بعد بعثة نبي الهدى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي صدر الإسلام على يد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ـ رضي الله عن الجميع ـ ومن بعدهم في الدولة الأُموية إلى أن وصل العلم ذروته في عهد الدولة العباسية وانتشرت الترجمة، وتشهد دار الحكمة في بغداد على ذلك، ويشهد نهر دجلة الذي تغيَّر لونه إثر ردمه بالكتب والمجلدات على يد التتار الغاصبين الذين عاثوا في الأرض فسادا وأحرقوا البلاد وقتلوا العباد؟!
وهل اتعظنا من إسرائيل الغاصبة التي تنفق على البحث العلمي وحده 4.7 في المائة من الدخل القومي، وهو ما يعادل إنفاق الدول العربية مجتمعة عليه؟! .. وهل استفدنا من اليابان التي رفع العلم شأنها بين الأمم؟ فلا بد لنا نحن العرب أن نعترف بتقصيرنا وتأخرنا العلمي وقصور مناهج العلم عندنا عن بلوغ ما نأمله، وألا نضع رؤوسنا في الرمال دون أن نعالج أخطاءنا، وسبب تأخرنا إلى الآن في الصناعة ـ على سبيل المثال ـ فلم نصنع سيارة، من الألف إلى الياء، أو طائرة أو صاروخا، فلم لا نصبح مثل ألمانيا أو اليابان أو الصين التي غزت منتجاتها وصناعاتها أسواق العالم بلا منافس؟!
فعلى الدول العربية والإسلامية أن تتكاتف قلوب علمائها لا أجسامهم وأن يجددوا النية ويخلصوا العمل لله أولا وقبل كل شيء، وأن يقفوا على ما وصل إليه العالم المتقدم ويبدؤوا من حيث انتهى الآخرون، حتى يتحركوا من أرض صلبة، ويتمكنوا من الإبداع والابتكار والاختراع وينهضوا بالتعليم ومناهجه والمعلمين والمتعلمين، ويعيدوا إلى أمتهم العربية والإسلامية سابق عهدها من التقدم والازدهار.
وهلا نهض المجتمع من سباته وانتبه للخطر الحقيقي الذي عليه تعليمنا اليوم، وأدرك أن التعليم كالماء والهواء والغذاء، لا يستغني الإنسان عنها جميعا!
وختاما.. إذا أخلص العلماء والقادة ومن بيده القرار النيات لربهم وكانوا على قلب رجل واحد وعلموا أن البلاد والعباد يحتاجون إليهم ونظروا نظرة مغايرة إلى مناهج التعليم وأدوات البحث وأماكنه وزادوا الدعم لهذا الشريان الحيوي حيث لا نهضة ـ بعد توفيق الله ـ من دون العلم والبحث، فلن تقف الجبال في وجه العباد، يقول الله ـ عز وجل: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم). “البقرة من الآية 282”. أدعو الله ــ جلَّت قدرته ــ أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يزيدنا علما.
الإقتصادية: الجمعة 30 / 12 / 2011م
هذا أحدث مقال