أهمية الستراتيجيات الفعالة

الاستراتيجيات التعليمية الفعالة كأداة تربوية فعالة

إعداد: محمد زياد
مقدمة:
تشهد الأيام الأخيرة، اتساعاً في الفجوة بين احتياجات الطلاب التعليمية-التربوية، وبين قدرات المعلمين المهنية، على مواكبة التغييرات الحضارية السريعة. حيث تزداد الحاجة إلى توظيف العديد من الوسائل والأساليب والاستراتيجيات التربوية الحديثة، للسعي نحو تطوير مهارات الطلاب على التفكير والبحث والنقد والاصغاء والانضباط، إلى الحد الأقصى الممكن. ومن أجل الوصول إلى المرحلة المرجوة؛ فعلى المعلم تطوير مهاراته في كافة المجالات التربوية، والاتجاهات المتعلقة بسبر أعماق الطلاب ومعرفة أرقى السبل للوصول إلى عقولهم وقلوبهم. لقد غدت المسيرة التعليمية، في عصرنا هذا، مشروعاً إنسانياً طويل الأمد، يحتاج إلى تحريك طاقات العلم والبحث والإبداع الداخلية للطالب، من أجل مدِّه بالدافعية والرغبة لتحقيق ذاته. ومع ذلك، فإن الاتجاه التربوي السائد في العديد من المؤسسات التربوية الحالية، ما زال يعتمد على طرق التلقين والتعليم التقليدية، التي تقلل من شأن الطالب، وتصنع منه متعلماً إتكالياً سلبياً، ينتظر دوره دوماً للمشاركة، وفي الوقت الذي يحدده المعلم، ووفقاً لما يراه. وقد يؤدي هذا، إلى كبت مواهبه، وإطفاء الشعلة الإبداعية لديه.
أن مصادر المعرفة والعلم المتوفرة للطلاب في هذه الأيام، متنوعة ووفيرة، ويمكن الوصول إليها بطرق سهلة وجذابة، دون الاعتماد على المعلم للحصول عليها. لذا لم يعد دور المعلم الهام، مقتصراً على توصيل المعلومات فقط؛ بل يتعدى ذلك بكثير. إذ أنه صار مسئولاً عن بناء شخصية الطالب الباحث والمفكر والناقد والمستقل؛ الذي يستطيع الوصول إلى المعلومات وتوسيع آفاقه ذاتياً.
يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على إحدى المهارات الهامة جداً، في مهنة المعلم. ألا وهي الاستراتيجيات التعليمية، وطريقة توظيفها كأداة تربوية فعّالة ومؤثرة، لمساعدة الطالب على التفكير والتعلم والتقدم على جميع الأصعدة الإنسانية والفكرية والاجتماعية. حيث سيتم التطرق إلى أهم العوامل المسئولة عن توفير الجو التعليمي الملائم، والأشكال المختلفة للإستراتيجيات، وكذلك طريقة اختيارها من قبل المعلم.
ما هي الاستراتيجيات التعليميّة؟
بداية وقبل التعمق في طريقة استخدام الاستراتيجيات التعليمية، لا بد من التطرق إلى ماهية الاصطلاح. حيث يقصد بالاستراتيجية التعليمية (Teaching Strategy) هو، كل ما يتعلق بأسلوب توصيل المادة للطلاب من قبل المعلم لتحقيق هدف ما، وذلك يشمل كل الوسائل التي يتخذها المعلم لضبط الصف وإدارته؛ هذا وبالإضافة إلى الجو العام الذي يعيشه الطلبة والترتيبات الفيزيقية التي تساهم بعملية تقريب الطالب للأفكار والمفاهيم المبتغاة. تعمل الاستراتيجيات بالأساس على إثارة تفاعل ودافعية المتعلم لاستقبال المعلومات، وتؤدي إلى توجيهه نحو التغيير المطلوب. وقد تشتمل الوسائل، أو الطرائق أو الإجراءات التي يستخدمها المعلم، على طريقة الشرح التلقيني (المواجهة)، أو الطريقة الإستنتاجية أو الاستقرائية؛ أو شكل التجربة الحرة أو الموّجهة .. الخ، من الأشكال  التقليدية أو الحديثة المقبولة (Eggen, 1979; Derry, 1989; Lovitt, 1995; Mastropieri & Scruggs, 1994).
كما ويؤكد ديري (Derry,1989)، أَنّ الخطة التي يقوم بها المعلم لتنفيذ هدف تعليمي، هي الاستراتيجية التعليمية؛ وقد تكون الاستراتيجية سهلة أو مركبة. كما وأنَّ الاستراتيجيات التعليمية تعتمد على تقنيات ومهارات عدة، يجب أن يتقنها المربي، عند توجهه للعمل الميداني مع المتعلمين. وقدرة المعلم على توظيف الاستراتيجية يعني أيضاً، معرفة متى يتم استخدامها، ومتي يتم استخدام غيرها أو التوقف عنها.
هذا، وتشمل الاستراتيجيات التعليميّة، قدرات المعلم على توزيع الوقت بالشكل السليم لتوصيل المادة، والانتقال بين الفعاليات بشكل انسيابي، ومثير للتلاميذ. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تشمل الإجراءات المتعلقة بكيفية توزيع أماكن الطلبة وشكل الجلوس. فمثلاً، لو أرادت المعلمة سرد قصة على طلابها، فبإمكانها عندئذ، فرش سجادة إذا تواجدت، وتعمل على اجلاس الطلاب عليها حتى يتمكنوا من مشاهدة القصة وصورها عن قرب. أمّا إذا كانت القصة، عبارة عن لوحات كبيرة، يتم عرضها عن طريق جهاز الرأس المسلط (Over-head projector)، فبإمكان المعلمة أن تطلب من الطلاب البقاء بأماكنهم (Derry, 1989; Lovitt, 1995).
وجدير بالإشارة هنا، التنويه للخلط الذي يرتكبه المعلمين، ما بين الاستراتيجيات والوسائل التعليمية. إذ أن الوسيلة التعليمية (وسيلة الإيضاح)، هي الوسيلة، التي من خلالها، يبسط المعلم المفاهيم التعليمية، ومن خلال عرضها أمام الطلاب يجعل فهمها أسهل. كما وأنّ الوسيلة، هي أداة أو مادة يستعملها الطالب في عملية التعلم واكتساب الخبرات وإدراكها بسرعة، وتطوير ما يكتسب من معرفة بنجاح. ويستعملها المعلم لتتيح له جوا مناسباً للعمل بأنجح الأساليب، وأحدث الطرق للوصول بتلاميذه إلى الحقائق والتربية الأفضل بسرعة (أبو هلال، 1993). كما وأن الزيود (1993) يعرفها على أنها " كافة الوسائل التي يمكن الاستفادة منها في المساعدة على تحقيق الأهداف التربوية المنشودة من عملية التعلم، سواء أكانت هذه الوسائل تكنولوجية كالأفلام، أو بسيطة كالسبورة والرسوم التوضيحية، أو بيئية كالآثار والمواقع الطبيعية" (الزيود، 1993، ص145). مثلاً: عند عرض قصة معينة، فإن المعلمة تحضر قصة فعلية ملوّنة، أو مجموعة من اللوحات الملوّنة التي تمثل تتابع أحداث القصة، وتعرضها أمام الطلاب.
        وللوسائل التعليمية أشكال وأنواع عدة، ومنها الوسائل السمعية والبصرية (كالمسجل والراديو) ومنها البصرية (كالتلفاز والفيديو)، ومنها التكنولوجية، كالحاسوب واستخداماته المختلفة. ومنها الطبيعية الميدانية كالمجسمات والأشكال المختلفة الثابتة والمتحركة المعروضة بالمتاحف والمسارح والحدائق (أبو هلال، 1993؛ الزيود، 1993).
بينما الإستراتيجيات التعليمية، هي طريقة عرض الوسائل، والجو المرافق لها، وطريقة توزيع الطلاب، ما قبل أو ما بعد عرض الوسائل. مثلاً: توزيع الطلاب إلى مجموعات، لحل أسئلة مختلفة حول القصة، تعتبر إحدى الإستراتيجيات التي تنفذها المعلمة، لتوصيل مفاهيم القصة (Derry,1989).
المركبات الأساسية للإستراتيجيات التعليميّة
تؤكد الدراسات إلى إنّ معرفة المعلمين للمركبات المختلفة لطرق توظيف الاستراتيجيات التربوية والتعليمية، لها أهمية كبرى في عملية نجاح العملية التعليمية. ومن المركبات الهامة لتلك الاستراتيجيات، ما يعتمد على أسلوب شرح المعلم، وطرق إدارة وضبط الصف وتوفير الجو المريح داخل قاعة الصف؛ وكذلك ما يتعلق بالبيئة الفيزيقية والترتيب لتوزيع الطلاب والأثاث، إضافة إلى ذلك وسائل الإيضاح التعليمية وطرق توظيفها (Mastropieri & Scruggs, 1994; Derry,1989; Lovitt, 1995). سأتطرق في معرض حديثي إلى أهم تلك المركبات مع ذكر الأمثلة التوضيحية لكل منها على قدر الإمكان.
أ- أسلوب الشرح والتعليم:
من أهم العوامل التي تعمل على جذب الطالب، نحو الدرس والموضوع، هي الطريقة التي يتوجه بها إلى طلابه، وطريقة تدخله التربوي وعملية توظيف الاستراتيجيات وتوصيل المفاهيم. وهناك العديد من الاستراتيجيات المتعلقة بطريقة الشرح؛ ومنها التعليم المباشر (المواجهة)، والتعليم بالاكتشاف، والتعليم بالحوار والمناقشة، والتعليم باستخدام الوسائل البصرية والسمعية واللمسيّة، وتوظيف كل الأساليب التكنولوجية، كالحاسوب ووسائل الاتصال المختلفة ..الخ (Davies, 1981; Mastropieri & Scruggs, 1994; Lovitt, 1995).
يوضح الباحثان ماستروبيري وسكراغ (Mastropieri & Scruggs, 1994) على سبيل المثال، بعض النقاط الهامة لضمان نجاح أي درس في اللغة، وهي كالتالي: (1) المراجعة اليومية مع الطلاب حول المادة التي تم تمريرها في الدرس السابق، (2) وعرض مادة أو مفهوم جديد باستخدام وسائل ايضاح فعّالة، (3) وتوفير تدريبات موجّهة بشكل ملائم لقدرات الطلاب. (4) كما وان الطلاب يحتاجون إلى تدريبات ذاتية، لإتقان المهارات المطلوبة، (5) ومن ثم العمل على تقييم الأداء خلال وقت قصير ومحدد. إضافة إلى ذلك، فهنالك حاجة ماسة، إلى تدريب الطلاب على طريقة تقدير الوقت والعمل على البدء والانتهاء وفق الوقت المعطى لهم. ويمكن لهم أن يصلوا إلى تلك الدرجة بعد أن يتم تدريبهم من قبل المعلم على استخدام الساعة والتدرب على قياس الوقت والتركيز في المهمة (Mastropieri & Scruggs, 1994).
    النموذجان التاليان، سيبينان كيفية توظيف الاستراتيجية في أحد دروس القراءة، للصف الثالث الابتدائي:
v                     النموذج الأولدرس قراءة للصف الثالث بعنوان: "الأسد والفأر"
         ×    تلخيص القصة: تتلخص أحداث القصة بوقوع أحد الأسود في شبكة الصيّاد، وعدم مقدرته على الخروج من المصيدة، الاّ بعد مجيء الفأر الذي أنقذه من خلال قضم خيوط الشبكة بأسنانه. في عرض القصة يدور حوار بين الأسد والفأر، حيث يسخر الأسد من الفأر ويشكك في قدراته على المساعدة... (الحياري، باكير، تركي، مناصرة وشاهين، 1994، ص47-48).
         ×    وسائل الإيضاح التي يعرضها المعلم: أن يعرض صورة ملوّنة كبيرة، تمثل شخصيتي الأسد والفأر والشبكة ملقاة حول الأسد. حيث يمكن عرض الصورة على لوحة كبيرة من كرتون مرسومة بالألوان لجذب الطلاب، أو على شفافة عن طريق جهاز الرأس المسلط (Over-head projector).
         ×    الاستراتيجيات المتبعة: تخطيط فِن (Venn Diagram)، حيث يتم رسم دائرتين متقاطعتين بشكل أفقي، بحيث تمثل كل دائرة، المعلومات المتعلقة بكل من شخصيات القصة، وفي المنطقة المتصلة يتم التركيز على نقاط التشابه. ويتم تفريغ المعلومات التي تميز كل حيوان في داخل القسم الخاص به، بينما توضع المعلومات التي تبين التشابه بين الحيوانين (الشخصيتان) في المنطقة المتقاطعة. تساعد تلك الاستراتيجية، الطلاب على تطوير مهارات التفكير، وبالتحديد مهارات التصنيف والتنظيم والمقارنة والتحليل. الرسم التالي يوضح الفكرة بشكل أدق (Campbell, 1995):
أخذ النص من كتاب لغتنا العربية (الحياري وآخرون، 1994، ص47-48).
v                     النموذج الثانياستراتيجيات لتعليم مهارات الكتابة الإنشائية والوظيفية
تعمل تلك الاستراتيجية على لتطوير مهارات الكتابة للطلاب العاديين، على جميع المراحل بشكل عام، وللطلاب الصغار والذين يعانون من صعوبات تعلميّة على وجه خاص (Vallecorsa, Ledford, & Parnell, 1991).
         ×    خطوات الاستراتيجية: تعتمد تلك الاستراتيجية على خطوات ثلاث، يتم تعليمها للطلاب في بداية السنة، ومن ثم يتم العمل عليها تدريجياً على مدار العام من قبل المعلم، في دروس اللغة، وعند توظيف المهارات الكتابية الوظيفية (Functional writing). وهذه الخطوات هي: مرحلة التخطيط، مرحلة بناء المسوّدة، ومرحلة التقييم والمراجعة.
         ×    مرحلة التخطيط: حيث يقوم المعلم بتوجيه طلابه إلى خطوات التفكير والتخطيط للموضوع الذي يريدون الكتابة حوله. وهنا يجب تشجيع الطلاب على وضع أفكارهم على الأوراق دون انتقاد أو توجيهات خاصة من قبل المعلم. هنا يقوم المعلم بتوجيه الطلاب للتفكير بجمهور القراء المقصود، وبالأهداف التي يودون الوصول إليها.
خلال هذه الأثناء يقوم المعلم بكتابة نموذج أمام الطلاب، ومن ثم ينفذ نموذجاً مشتركاً مع طلابه. وقد يختار المعلم على سبيل المثال كتابة دعاية لمنتوج معين يحبه الأطفال. يمكن للطلاب من أجل البدء بتلك المهمة، إحضار بعض النماذج من الدعايات التي تصدر بالجرائد والمجلات. ولكي يتمكن الطلاب من فهم مبنى الدعاية، يجب أن يساعدهم المعلم، عن طريق تعريفهم بمهارات كتابة المبنى العام لمهارات الكتابة الوظيفية. على سبيل المثال، يمكن اختيار نموذج ما يطلق عليه بـ "فقرات الهامبورغر" (THE HAMBURGER PARAGRAPH)؛ حيث يكون على النموذج شكل "ساندويش الهامبورغر"، يبدأ من الشطيرة العليا والتي يكتب فيها العنوان أو جملة الافتتاح، وفي الطبقات الوسطى للساندويش، تكتب عدة معلومات تفصيلية مدعِّمة للموضوع. وفي النهاية، أي في الجزء السفلي للساندويش كتابته بالتلخيص والاستنتاج (Vallecorsa, Ledford, & Parnell, 1991).
         ×    مرحلة بناء المسوّدة: في تلك المرحلة يطلب المعلم من تلاميذه كتابة التفاصيل والأفكار التي يقصدون توصيلها، إلى جمهور الهدف. وهنا أيضاً لا حاجة لقلق المعلم لعدم نظافة أو ترتيب الورقة، أو كثرة وجود الأخطاء الإملائية وعدم الالتزام بالنواحي الفنية. فتلك المرحلة هي من أجل وضع الأفكار، وليس التشديد على النقاط الفنية، وبالتالي، يمكن للمعلم تعزيز الطلاب ووضع علامات تشجيعية على كتابة الأفكار، ولاحقاً يمكنه التركيز على الجوانب الفنية الأخرى.
في تلك المرحلة يجب أن يحث المعلم طلابه على كتابة تفاصيل توضيحية، لكل نقطة فرعية تم وضعها في مرحلة التخطيط ورؤوس الأقلام. وفي نفس الوقت يعمل على كتابة نموذج توضيحي لطريقة تدعيم المعلومات المرافقة وترتيبها بطريقة منطقية. كما ويمكن للمعلم أن يأخذ النماذج الأولى من كتابة الطلاب، ويعمل على كتابة بعض الملاحظات التوضيحية، ويرجع لهم الكتابات، للعمل على تعديلها على مراحل.
مرحلة التقييم والمراجعة: الآن، يكون الطلاب جاهزين لمراجعة الكتابة بشكل شمولي وعميق، لإجراء التعديلات اللازمة، قبل كتابتها نهائياً. ومن اجل القيام بهذا النشاط على الطالب أن يتظاهر بأنه القارئ الذي يقرأ القصة أو الدعاية للمرة الأولى. في تلك الحالة، عليه أن يجيب على عدة أسئلة توجيهية، وقد تكون هذه الأسئلة متركزة بمهارات الكتابة الفنية، مثل: التنظيم، وعلامات الترقيم، والتهجئة والاملاء. بينما للطلاب ذوي القدرات المرتفعة، يمكن إضافة جوانب القواعد، والتركيبات اللغوية والمفردات وكلمات الربط ..الخ (Vallecorsa, Ledford, & Parnell, 1991).